الثلاثاء، 15 يناير 2019

النسيـــــــان


استقيظ كل يوم من نومي محاولة النسيان، ولكن يبدوا أن النسيان ليس بتلك السهولة التي يتحدثون عنها في الكتب. ربما تكون جلالة الحدث أصعب من أن تُنسى بتلك السهولة، وربما لقساوته على نفسي، أي كانت الأسباب فالجرح لم يلتأم بعد، وألمه ما تزال جذوره متغلله في أعماقي، أجلس بالساعات محاولة النوم، احتضن أطفالي بقوة، عسى حنانهم يساعدني، وبعد أن يُغشى علي من الإرهاق، يوقظني ألمي من أحلى لحظات نومي التي كنت أظن أنها عميقة.

إرهاصات فكرية وأفكار لا تتوقف عن الدوران برأسي، اتسائل دومًا لماذا، وفي لحظة ما لم يتحمل جسدي ما أفعله به، اضرابات حادة في ضغط الدم وانهيارات مفاجئة لا سبب طبي لها، وكانت المرة الأولى التي أعلم فيها أن الضيق يخفض ضغط الدم ولا  يرفعه كما يشيع بيننا، كأنه يقول لي ألن تكفي عما تفعليه بي! لم أسمعه ولم ألتفت إليه، فأجبرني على الخضوع له، قاومته وأنا على سريري بالمستشفى وظللت أدبدب بقدمي محاولة السيطرة عليه وعلى أطرافي التي تشنجت تمامًا، لكنني فشلت، حاولت السيطرة على دموعي التي تنهمر في أي لحظة وأي وقت أمام صغاري، لكنني فشلت، خاولت التماسك لأجل أمي، ولكن فشلت!
ثم بيعث لي رب العالمين برسائله الربانيه حتى أتعلم، تأتيني الإجابات من هنا ومن هناك حتى أتربي، ربياني أبي وأمي وكنت أعتقد أن الرسالة انتهت، لكنها تبدأ! فهناك تربية الله للعباد وما أعظمها تربية!

الحب شعور عظيم، لكنني أخطات! لم أخطئ عندما أحببت من حولي، وتعاملت معهم بسجيتي وأعطيتهم من كل قلبي، لكنني أجرمت عندما تعلقت! أغفلت حقيقة هامة بأن القلوب بين يدي الرحمن يقلبها كيف يشاء. اليوم نحب وغدًا نكره، اليوم نحن أصدقاء مقربين ولكن غدًا نختلف ونبعُد ثم نلتقي من جديد ولا بأس. لم أكن أؤمن بذلك، كنت أؤمن بأن التقلبات في العلاقات لا تجميع بين الشتيتيْن، بين البارد والساخن، فلابد أن للتقلبات حدود وللأخطاء حدود وللأذى حدود، كنت أؤمن بأن الحياة لا تسير على وتيره واحدة، لكني لم أكن أتخيل أنها ستكون بتلك الحدة والقسوة والفظاظة والعنف،لم يربياني أبي وأمي على ذلك، وعلى الرغم من محاولتهم المستمرة في سرد تجاربهم مع من حولهم حتى أتعلم ذلك، إلا أنه – لسبب غير معلوم – توهمت أني لن أقابل تلك الأنواع من البشر، وإن قابلتها لن أتعامل معها،  لم يخطر ببالي أن تقلبات المقربين ستصل إلى حد الأذى، بل أقصى ما تخيلته هو الضيق! نعم كانت تتمثل تقلبات الحياة بالنسبة لي في بعض الضيق، وبعدها كل شيء سيعود إلى طبيعيته، وينفرج كل شيء. لم أكن أعلم أن للضيق والكرب درجات، لكنني الآن تعلمت!

تعلمت أنني لم أكن أدرك حقيقة الحياة ولا قساوة البشر، وألفت أن القسوة والخذلان يأتي من الأحباب، وألا أثق في من أحبهم الثقة المطلقة العمياء، فهم بشر! أدركت أن لن يفهمني أحد مثل أبي وأمي، ولن يحبني أحد مثلهم، حبهم غير مشروط لن يضاهيه حب ويخلو من الأذى.

تعلمت ألا أتعلق بغير الله،  من ستتعلق به سيؤذيك أو ستفقده. بت أناجي الله بألا أتعلق بأبي وأمي حتى لا أفقدهم، حتى صغاري سأعلمهم أن يحبوني كيفما يشاؤوا ولكن لا يتعلقوا!

تعلمت أن علاقتنا بمن نحبهم ليست معصومة من السرطان. لم أيأس حتى الآن، فاليأس ضعف، وأبي علمني القوة والصمود، ولكنني ما زلت أحاول أن أتعلم التجاوز من أمي، لا أملك سوى الإراده والدعاء بالشفاء والنسيان.

دمتم بخير!



الأربعاء، 10 يوليو 2013

مـــشــــاهدة ... المترجم الإعلامي

مشاهدة .. (قد تبدو بسيطة ولكن لها معنى عميق جدًا)

ظهرت في الأيام القليلة الماضية أزمة خلال الأحداث المتصاعدة في مصر تتعلق باللغة والترجمة
بدأت منذ الحوار الذي أجراه الرئيس السابق محمد مرسي مع صحيفة الجارديان حينما بدأت المحللون السياسيون في تحليل حوار مرسي الذي أجراه .. فبعضهم تعامل مع الموضوع بشكل عشوائي وبعض التصريحات والبعض الآخر تعامل معه من منطلق التركيز الشديد في الألفاظ الحوارية وإيجاد مقابل لها في لغتنا العربية.

ثم استمرت تلك الأزمة عبر عدة مشاهد أخرى متعلقة بصورة الأحداث التي تحدث في مصر للعالم أسره، وبسبب عدم وجود قنوات تليفزيونية أو إذاعية تتحدث بلغات العالم عن ما يحدث في مصر وتصفه وصف دقيق لحظة بلحظة؛ أدى ذلك إلى وصول للعالم أخبار عن مصر من خلال وكالات أنباء وقنوات إخبارية ليست في مصر، الأمر الذي أدى إلى حدوث تشويش في نقل صورة الأحداث التي تجري في مصر ومن ثم صدور بيانات وتعليقات من دول العالم لا تتحدث عن واقع ما نعيشه.


ومن هذا المشهد الذي يبدو بسيطًا يمككنا أن نرى بوضوح أهمية وجود قنوات تليفزيونية وإذاعية تتحدث بثلاث لغات دولية رئيسة، مما يتطلب توفير فئة جديدة في سوق العمل وهي (مترجم إعلامي)،  ليس فقط لترجمة نصوص الاخبار، ولكن يكون لديه من الثقافة والمهارات التي تمكنه من أن يكون إعلاميًا ناجحًا .. متحدثًا بلغة أجنية .. يعي دقة الألفاظ والمعاني الاصطلاحية المختلفة .. قادر على توصيل الرسالة والأحداث للآخر .. ملتزم بالأخلاق المهنية للإعلامي والمترجم في آن واحد.

وهذا يخلق بدوه مجالا جديدًا ودورًا هامًا للمترجم يقوم به في مجتمعه. وهو ما يؤدي إلى أهمية التركيز على إعداد مجموعة من المترجمين في هذا السياق.

الاثنين، 28 يناير 2013

ألــــــــــــوان






أيامنا تمر كالألوان ..

أحيانا تكون ألوان زاهية ناصعة وحارة 

وأحيانا تكون معتمة باردة

ونحن البشر وهبنا الله الأمل ..

حتى نصبر على الأوان المعتمة 

علها تعود زاهية من جديد !

 

الجمعة، 7 ديسمبر 2012

الخـــطيــئــة


وقد ما قريب يا بكره قد ما انت بعيد ..
أنا المتيم خفيف الظل ..
أنا الصامت ..
راقص في قلب العزا  ..
باكي في صبح العيد ..

 بتلك الكلمات للشاعر عبد الرحمن الأبنودي أبدأ حديثي تعقيبًا عن ما يحدث في بلدي ويتملكني شعور بالحزن والأسى لما وصلنا إليه من مراحل غاية في الدني والخطورة.

من يعرفني يدرك جيدًا أنني دائمًا أؤكد أنني لست محلله سياسية ولا أميل حتى للكتابات السياسية، فتلك هي المرة الثانية التي أقرر أن أعقب في كلمات لي عن ما يحدث بعد أن كانت المرة الأولى في مقال بعنوان "مفترق طرق" كتبته في مارس 2011 تعقيبا على الاستفتاء على التعديلات الدستورية والتي يبدو أنها كانت بداية الخطيئة. 

قبل أن أبدأ في سرد ما سأقول أتمنى من كل من سيقرأ تلك الكلمات أن يولي اهتمامه وتركيزه عند القراءة في المضمون وليست التفاصيل ولا يحاول تصنيفي إلى أي تيار أنتمي، وهل أنا معه فيما يعتقد أو ضده، لأنك لن تخرج بنتيجه إذا بحثت عن ذلك، فإنني أخذت بقلمي لأكتب بعض الكلمات التي يمليها ضميري عليّ عسى أن تنفع من يقرأها وعسى أن تشفع لنا في يوم لا ينفع الوالد ولده. 

بدأت نتائج ثورة الخامس والعشرين المجيدة عندما أجريت انتخابات لأول رئيس مدني منتخب وسط عدد من المرشحين من مختلف الأحزاب والتيارات والانتماءات الفكرية وكذلك على اختلاف درجات وطنيتهم، وعندما ظهرت نتيجة المرحلة الاولى لتخيرنا ما بين شخصية وطنية اخوانية أو شخصية تنتمي إلى النظام السابق، أُجبر الكثيرون وأنا منهم على الاختيار الأول حفاظًا على الثورة وإيمانًا منا أن السيء أفضل من الأسوأ، ولم يكن أمامنا مفر أو اختيار، وبعد الوعود والكلمات المتتالية وبعض القرارات من جانب الرئيس اطمئن قلبنا ووصلنا إلى درجة أن التيارات الأخرى ساندته لنعمل سويًا من أجل بناء وطن واحد ونهضة لأمتنا، إلى أن وصلنا لبعض القرارات الفردية التي اتخذت دون العودة لأحد. 

وهنا بدأت أسهم الرئيس تقل لدينا، ومع أنني أفترض دائمًا حسن النوايا للشخص الذي أمامي، فإن السياسيين ليست لديهم تلك الكلمة في قواميسهم ومعاجمهم السياسية، فالسياسة لعبة، إما غالب وإما مغلوب، ولا افتراض فيها لحسن النوايا. ظهر الإعلان الدستوري في نوفمبر2012 ليخلق انقسامات لا حسر لها، على الرغم من أنه ليس مرفوض برمته ولكن الاعتراض على مادة بعض مواده التي استشعر العديد من المواطنين والمثقفين والقوى السياسية الخطر منها، فهى تعطي الرئيس حصانه في قراراته وعدم مراجعتها من أي جهة، فعلى الرغم من أنها ستسقط خلال أسبوعان من الآن إلا انها أثارت جدلا كبيرًا من المواطنين والقوى السياسية المختلفة وما هو أبشع من ذلك .... 

إن الأبشع من الجدل يا سادة هو الانقسام، فلا مانع أن نختلف في الآراء ولكل جهه الحق في التعبير عن رأيها الذي تقتنع به، ولكن أن نصل إلى الانقسامات فتلك هي المصيبة التي ندعو الله أن ينجي شعبنا منها على خير. إن الانقسام لم يقتصر على انقسام الشارع ولكنه تجاوز وصولا إلى المؤسسات التي تقوم عليها أي دولة، حيث انقسمت مؤسسة القضاء وبيانات من هؤلاء وبيانات من أولئك وتصريحات واجتماعات ونقاشات من كل طرف للتصدي إلى الطرف الآخر داخل المؤسسة الواحدة، وأي مؤسسة .. إنها القضاء الذي يحكم بين الناس بالعدل ويفرق بينهم فيما ينشأ من نزاعات، وصولا إلى الانقسامات بين أفراد الشعب .. بين المواطنين بعضهم البعض، لنصل إلى مرحلة أن يقتل الأخ أخاه والصديق صديقه والجار جاره لمجرد أنني اختلف معك في الرأي وأنت مؤيد وأنا معارض والعكس. 

تلك الكارثة التي اتحدث عنها والخطيئة التي لن يغفرها لنا الوطن في حقه ولن تغفرها لنا الأجيال من بعدنا، إذا استمرينا على تلك الوتيرة فنحن نكتب على مستقبل بلدنا وأمتنا بالضياع إلى الأبد، نحن وصلنا إلى مرحلة أن الأخ واخيه والزوج وزوجته في بيت واحد على خلاف دامي لمجرد هل أنت مؤيد أم معارض، وإن كانت الأسرة رأيها موحد حول الموقف فستجد تلك الخلافات مع جارك أو زملائك في العمل أو أصدقاؤك وكأننا في حرب لابد أن يكون الفائز فيها يا أنا يا أنت، إن كم التعصب في الآراء الموجود لا يوصف وكم التعصب في التعبير عن الغضب يشير إلى مزيد من المصائب التي نحن مقبلين عليها، حتى حوار الناس في الشارع - التي لا يعرف بعضها البعض - بمجرد أن يتواجد شخصان في مكان واحد أحدهما مؤيد وأحدهما معارض في وسيلة للمواصلات أو اي مكان عام تبدأ سلاسل من السب والقذف وتصل في بعض الأحيان إلى الاشتباك بالأيدي، وتخوين كل طرف للآخر، وفي النهاية وصلنا إلى اشتباكات بالأسلحة النارية والأسلحة البيضاء في شوارعنا ومياديننا والبقية تأتي ...

نعم يا سادة هذه هي الحقيقة المرة التي لا ينتبه لها الكثيرون، إن يحدث الآن في مجتمعنا هي ((حرب نفسية أهلية)) بما تحتويه الكلمه من معانٍ، وإن لم نلتفت إلى أنفسنا ونستقيم فسنحصد المزيد والمزيد من النتائج المخزية التي لو علمت الأرواح التي زُهقت في سبيل الوطن عندما قامت الثورة أن النتيجة ستكون كذلك لما قامت بتقديم أرواحها فداء للوطن.

وما علينا فعله بسيط وهو أن نتقي شر الفتنة، أن يقبل بعضنا بعضًا، أن ننأى بأنفسنا وبعلاقاتنا مع بعضنا البعض عن أي خلاف سياسي ان كان أو غيره .. أن نضع نصب أعيننا مصلحة الوطن وفقط .. لا مصلحة حزب ولا تيار ولا انتماء .. سواء ان كنت مع قرارات الرئيس ام ضدها .. مع رأي الليبراليين ام ضدهم .. مع الاخوان ام ضدهم، فعلينا أن نعلو فوق كل ذلك وننظر إلى مصلحة الوطن.

إن وسائل التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وتويتر بخلاف وسائل الاعلام تحولت إلى منابر تخوين .. الكل يخوٍَن بعضه .. فالأحزاب تخوِّن بعضها والتيارات والمواطنون وحتى الأصدقاء في حوار عابر عبر وسائل التواصل الاجتماعي يصلون في النهاية إما للسب والقذف أو إلى قطع العلاقات على أحسن تقدير ليصطف كل منهم تحت مظلة اليمين أو اليسار .. المهم أنك تكون مع أحد التيارين في النهاية .. إما أن تأتي معي أو لابد أن نفترق لنقف في كنف أحد التيارات. 

علينا أن نعترف أن هناك شخصيات وعناصر مندسة بيننا تسعى إلى التخريب والوقيعة بين جميع الأطراف ولكن لا يجوز أن نعلق شماعة فشلنا في إدارة الأمور دائمًا على الطرف الثالث المجهول، نعم هناك من يمول مندسين هنا وهناك ويدفع المبالغ الطائلة حتى لا تنهض البلاد ولكن هناك خطأ فادح أيضًا نحن نقوم به دون وجود هؤلاء المندسين .. تلك الحرب النفسية التي باتت واضحة بين المواطنين بعضهم وبعض، والتي سيؤدي استمرارها إلى ضياع المجتمع وحينها ستتكرر تلك الاحداث المؤسفة التي شاهدناها في الايام الماضية من سريان الدم المصري في شوارعنا .. وبيد من ؟؟ .. بأيدينا نحن .. لا بيد الظالمين ولا الطغاة. 

على الجميع بما فيهم رئيس الجمهورية أن يعلي مصلحة الوطن، ولا يجوز مطلقًا أن يعوِّل الرئيس أنه بما أن هناك مؤيد ومعارض فأنا ماضٍ في طريقي، فلابد من مراعاة المعترضين، حيث أن تصرفه هذا يكون جائزًا عندما يكون المعترضون هم مِن مَن يعترضون على النظام والقانون (بلطجية)، أما المعترضون الآن - بعيدًا عن النخب السياسية ونواياهم التي لا يعلمها إلا لله وحده - هم مواطنون وشباب هذا الوطن الذي شارك بل وقام بالثورة وحتى إن لم يشارك بها فله حرية التعبير عن رأية ولابد من أخذ رأيهم في الاعتبار عند اتخاذ أي قرار.
وإذا أردنا أن نبني امة ونبني وطن ونبني حضارة من جديد فلابد - على مستوى متخذي القرار - من التروي ودراسة القرار قبل اتخاذه  واستشارة من حولي من المعارضين قبل المؤيدين حتى نكون يدًا واحدة وروح واحدة لبناء هذا الوطن، وعلى مستوى الأفراد - كما قلت وسأظل أقول - عليـــــــنا أن نُعلي مصلحة الوطن فوق كل اعتبار وأن يكون لينين في الحوار ونسعى له ولا نتمنع عنه وأن نتوقف عن تخوين بعضنا الآخر، فجميعنا يبغى مصلحة الوطن ولكن من وجهة نظرة.. هذا إذا أردنا لوطننا خيرًا. 

إن وطننا وشعبنا الآن يمر بظروف عسرة، فعربة الوطن تتحدر من فوق الجبل، لذا على جميع الأفراد والجهات والمسؤولين والسلطات أن يتكاتفوا سويًا حتي يعيدوا العربه إلى طريقها التي انحرفت عنه .. هذا وإلا ستزداد الحرب النفسية بين المواطنين - وهذا الأخطر، فالسياسيون زائلون .. إنما الاحقاد ستظل قابعة في نفوسنا جيل بعد جيل .. أرجوكم لا تساعدوا في خلقها ولا تروجيها وإلا سنصبح عـــراقًا آخر .. تلك هي الخطــيـــئة التي نرتكبها في حق أنفسنا ووطننا والأجيال الأخرى من بعدنا.

استقيمـــوا يرحمـــكم الله !



الأربعاء، 23 مايو 2012

العالم الإفتراضي

      لكل منا عالم افتراضي يعيش فيه او على الأقل مشارك فيه.عالم فرض علينا كغيره من الأشياء .. صدرت ثقافته إلينا بدون أن نعلم مميزاته من عيوبه .. كيف يمكنه أن ينفعنا أو يضرنا .. واستقبلته البيوت والأسر المصرية دون أي تعقيب أو تعليق .. إلى أن اصبح في بعض الحالات سرطان متفشي لا نعلم من أين أتى ومتى تفشى واستشرى .. وأصبح واقعًا لابد وأن نتعامل معه.

     هو مثله كمثل أشياء كثيرة تغزونا ولا ينتبه إليها التربويين من أساتذه ومِن مَن يخوَّل إليهم إلى بعد أن يصبح الوضع كارثي .. لا أعلم هل أدمنا أن نفكر في حلول المشكلة بعد ان تتفاقم .. كم أتمنى لو لدينا في بلدنا الحبيب متخصصون لرصد الظواهر الاجتماعية وإبداء مميزاتها وعيوبها والمشاكل التي يمكن أن تنجم عنها قبل حدوثها ومن ثم يتنبه إليها المربين من الآباء. أتحدث عن العالم الإفتراضي بكا أشكاله من فيس بوك أو تويتر أو تشات وما إلى ذلك ....

     بالطبع وصفي لها بالسرطان ليس في كل الأحوال، فهناك  ولكني أتحدث عن نسبة ليست بالقليلة وأتحدث إلى كل من تتفتح عيونهم لأول على ذلك العالم حتى ينجرف بهم التيار ليصل إليهم هذا المرض، كما أكتبها لنا كشباب اليوم قبل أن يدخل هذا العالم بيوت أبنائنا في المستقبل ونرحم الجيل الجديد من هذا المرض.

     وبالنسبة إلي فقد بدأ احتكاكي بهذا العالم الإفتراضي منذ أربعة أعوام تقريبا .. كونت خلالها صداقات مثلي مثل الآخرين .. فهناك أشخاص أعرفهم معرفة شخصية وهناك من لا أعرفهم ولكنهم أضيفوا إلى قائمة الأصدقاء لأنها واحدة من مميزات ذاك العالم وهو توسيع معرفتنا بالآخرين ... نعم ولم لا .. ولكن ما حدود ذلك وأطره وما آل إليه عدم تحديد تلك الأطر هو ما سنتحدث عنه.

     وظل استخدامي لهذا العالم للتعرف على أنشطة أخرى لا أعرفها إلا عن طريق ذلك العالم المفتوح أو إضافة أشخاص لم أعرفهم من قبل إلى قائمة أصدقائي، وكم أثراني تواصلي مع بعض هؤلاء الأشخاص. وظننت أن المعظم يتعامل مع العالم الافتراضي بهذا الأسلوب، أي على أنها وسيلة وليست غاية، وسيلة لتحقيق المزيد من التطور للفرد ومن ثم مجتمعه .. وسيله للاستفاده من ذاك العالم المفتوح. إلى أن حدث عطل ما بجهاز الحاسوب الخاص بي وأضطررت للنزول إلى الأماكن التي تعرض خدمة الإنترنت. في الواقع كان تعاملي معهم في أضيق الحدود من قبل .. فكنت أقوم ببعض أعمال الطباعة وما إلى ذلك .. ولكن عطل جهازي أضطرني للمكوث في المكان لساعات طويلة .. أشاهد فيها أناسًا من مختلف الأعمار .. وبالفعل رصدت كيف يتعاملون مع هذا العالم.

     شاهدت الأطفال من سن 7 سنوات .. هؤلاء الأطفال تركوهم آبائهم دون أن يعلموا ماذا يفعلون في ذاك المكان .. إنهم يتجمعون كمجموعة من الأصدقاء ويذهبون ليتشاركوا في لعبة ما مليئة بالعنف والضرب والقتل .. ويلعبون أدوار الحرامية ويتسابق كل منهم في قتل أكبر عدد من المواطنين وأفراد الشرطة.. فكر معي قليلا فيما يمكن أن تفعلها لعبة كتلك في الأطفال وما يمكن أن تتركه من أثر في تفكيرهم، وكل ذلك في غياب تام لدور الإعلام الذي أصبح مساحات للمشاجرات السياسية ودور أساتذة التربية و... و... إلخ.

     كما شاهدت من هم في سن المراهقة، وتلك المرة من البنات .. أتوا إلى هذا المكان المدعو "سايبر" لعمل المناقشات والحوارات مع غيرهما من الشباب والفتيات، ويتفاخروا بأن ذاك أجابها على التشات قائلا كذا والأخرى لم يرد عليها أحد أو فلان علق على صورتها بكذا وكم من التفاهات لا يوصف.

    أعلم أننا لم ولن نولد ونحن على علم تام بأهادفنا، فذاك ابن السابعة أو تلك التي تتحسس أول الطريق .. لا تعلم أي شيء عن المستقبل وعن الأهداف وما إلى ذلك أو على الاقل لم يحددوها بعد، فعندما كنت في تلك المرحلة لم تكن رؤيتي لمسقبلي واهدافي في الحياة واضحة، ولكن على الأقل لابد من إعداد الفكر في تلك المراحل وتهيئتهم لدورهم في الحياة وتغذية العقول بما يجب أن تتغذى به، وليس معنى كلامي هو حجب هذا العالم عن هذا السن .. العكس صحيح .. فإن حجبه في حد ذته نوع من التخلف والرجعية، بل يمكن لهم أن يستخدموه في هذا الجانب ولكنهم يحتاجون إلى من يعلمهم ذلك، يعلمهم كيف يمكن أن كل شيئ من حولنا يستخدم في عمل شيئ إيجابي أو يتحول إلى سرطان لا يمكن الشفاء منه.

    وكون هذا العالم إفتراضي في حد ذاته، خلق منه مساؤئ ومميزات، المميزات كلنا يعلمها من تواصل وما إلى ذلك من ما أشرت إليه ولكن دعونا نركز على مساؤئه كعالم افتراضي حتى يمكننا أن نشخص المرض ونحاول أن نعالجه. إن التواصل مع الأشخاص الكثر الذين لا نعرفهم أدى إلى أن نرتبط بعالم ارتباط قوي وهو ليس بواقع، أصبحنا نجد من نشكو له همومنا ونتحدث عن مشكلاتنا معه، وإن لم توجد المشكلات، فعلى الأقل وجدنا من يتحاور معنا، نحدثه ويهتم ويجيب علينا ويسأل إن مرضنا ويهنئنا في المناسبات، كل هذه أشياء جيدة ولكن إن طغت على الأصول أصبحت سرطانا أو قل إدمانا إن شئت.

     العديد منا أدمن هذا العالم لدرجة أنه أصبح لا يستغنى عنه، أصبح بالنسبة له أهم من أمه أو أبيه أو أخته، فلا يهم أن نقضي مع عائلتنا وقتًا لطيفًا بقدر ما نجلس أكبر قدر ممكن في هذا العالم الافتراضي، وتلك كـــــــــارثة نعاني منها وسنظل نعاني، فالأسرة المصرية في شكلها العام أصبحت مفككة، فالأب أو الأم أو كلاهما منهمكين في دوامة العمل ويعودا إلى البيت ليتساقطا على السرير ليبدوأ يوم شاق جديد ، وأنا لا أعيبهم على عملهم فتلك هي سنة الحياة ونحن سندخل على هذا المنوال ولكن علينا أن نتعامل مع هذا النظام حتى لا نترك أولادنا لغيرنا ينظم تفكيرهم.

     وموضوع التفكك لأسري لا يسعنا أن نتحدث عليه هنا، ولكن الشيئ بالشيء يذكر. ولذلك على كل منا أن يدرك نلك المحاور جيدًا لأن الوقوع فيها سهل، وإذا لم تصب بهذا المرض فلك دور أن توعي من تستطيع توعيته لنرحم أجيالنا القادمة من ذلك الوباء.

الجمعة، 20 يناير 2012

أقــــــول لك ...

نعم سأقول لك !

     سأقول ما تعبت كثيرًا لأفهمه .. أبحث عنه في كل ألوان وأشكال الكتب التي تعرفها، علامة استفهام تدور برأسي لا أعرف لها إجابة، وأخيرًا وجدتها، وجدتها في طيات كتاب من كتب الكاتب والمفكر أنيس منصور، وها أنا اليوم أعرض عليكم التساؤلات التي تدور في رؤوسنا ولكن تلك المرة معها جوابها.

     عندما بدأنا في القراءة في كتب التنمية البشرية وعلم النفس، وجدنا أبسطها ومبادئها تتعرض لسؤال هام جدا هو " من أنت؟"، من تكون وما هي شخصيتك وطباعك وطرق تفكيرك و.... و... و.....، جبال من الأسئلة واختبارات تحليل الشخصية المرهقة لتعرف إجابة واحدة من أنت؟ ومن تكون؟

     سأقول لك من أنا ومن أنت كما قالها الكاتب أنيس منصور، ولكن ليست على غرار الطريقة المتبَعة في هذه الكتب وتلك الاختبارات، فإذا أردت أن تعرف من أنت فعليك أن تتعرف على طريقة تفكيرك وأسلوب حياتك، عندها ستعرف من أنت وحياتك تسير في أي اتجاه، فطريقة تفكيرك وأسلوب حياتك الذي تتبعه هو الذي سيحدد أيضًا من ستكون.

     بدأ الموضوع يشغل تفكيري عندما قرأ البعض عدة مقالات لي (وهي شحيحة للغاية) وعندما أشارك بآرائي الفكرية وَسَط مجموعة من المثقفين بدأوا أن يصنفوننى على أن لدي شيء من الفلسفة !!!
تأملت حديثهم وأخذت أفكر هل طريقة تفكيري تميل إلى الفلسفة؟ هل سأصبح يومًا ما مُفكرة؟ وإذا كنت كذلك لماذا أكتب مقالاتي وقلمي ينضب فجأة؟ وأعود فجأة وأختفي فجأة؟

     وعلى الصعيد الآخر من حياتي العملية وصفني البعض بأني شخصية عملية جدًا !!
بدأت أقع في حيرة من أنا ؟ كيف سأصبح مفكرة وليس لدي متسع من الوقت لذلك، فإنني على دراية بأن من يسلكون هذا الطريق يقضون معظم أوقاتهم في التأمل والتدبُر، فهم قاطرة المجتمع ! إلى أن اهتديت وقرأت مقالة أنيس منصور.

     تعال معي لأقول لك من أنت ... ومن أنا ؟

     الناس واحد من اثنين كما قال أنيس منصور، الصنف الأول أناس عنهم حيوية وليس عندهم طاقة .. والصنف الثاني أناس عندهم طاقة وليست عندهم حيوية.

     الصنف الأول .. هم ما يطلق عليهم في عصرنا هذا الأشخاص العمليين .. يتفجرون بالنشاط الحركي .. ينتقلون من مكان إلى مكان ومن قضية إلى أخرى .. وأكثر رجال السياسة ورجال الأعمال من هذه النوعية. لذلك فأفكارهم تأتيهم عندما يتحركون وهم يتحدوثون .. يجيدون التعبير بالكلمة وبالخطابة وبالموعظة.

     الصنف الثاني  .. وهم الفلاسفة والشعراء والأدباء والمفكرون .. هم يتحركون داخليًا ولفترات طويلة .. يمكنهم الجلوس لساعات طويلة جدا دون ملل يقلبون في الأوراق .. يستمعون إلى الموسيقى دون حركة .. ينظرون إلى السقف .. فهم يمشون في مجاهل الفكر دون سقم.

     وها أنا الآن عرفت من أنا؟

     علمت لماذا يدعون أننى سأصبح مفكرة يومًا ما، أنا أفكر وأكتب مقالات ولي آراء .. ولكن لست مفكرة إنما أستقي فكري من أصحاب الصنف الثاني .. من الفلاسفة والكتاب والأدباء والشعراء ويدور حديثهم بداخلي وأعبر عنها واستخدمها بشتى الطرق كما تلائم أسلوب حياتي فتتطور الفكرة من مجرد مادة خام إلى عدة أشكال وألوان، وأدركت لماذا تتوقف أفكاري فجأة .. ببساطة تتوقف عندما أتوقف عن النهل من المنبع الذي يمتعنا به النصف الثاني، وعندما أنهل منه تعود الأفكار لتتفجر بداخلي من جديد، ليست أفكار جديدة وإنما تطبيقية، تميل إلى العملية أكثر من كونها مجرد كلمات جافة مرصوصة بجانب بعضها البعض. تلك الكلمات المجردة تكوِّن فكري وأفكاري النابعة منها تكون المسئولة عن طريقة حياتي، فأقوم بأخذ تلك الأفكار وأحولها إلى حركة أجوب بها الدنيا، أثرثر بها مع مَن حولي، أناقش وأتحاور وأنشرها بعدة صور هنا وهناك، أطبقها أنا وأنت بصور مختلفة تبعًا لتخصصاتنا المختلفة.

     إننا في الحقيقة مكملون لبعضنا البعض فالفلاسفة والأدباء والمفكرون يولدون لنا الأفكار التي نحولها لاختراعات وأفكار تطبيقية مُنفذَّة على أرض الواقع وابتكارات ومشاريع في شتى المجالات المختلفة.

ولكني لست فيلسوفة !!!


الخميس، 10 نوفمبر 2011

فــضـــــفــــــضــة

كثيرًا ما تحدث متخصصوا التربية عن تربية النشئ .. لن يتناول حديثي اليوم تربية النشئ بشكل عام .. فلست متخصصة فى التربية، ولكن ما سأطرحة هو فضفضة من واقع ما شاهدته.
سمعنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الأم التي تربي ثلاث بنات لها الجنة، كم توقفت لأفكر لماذا ؟! .. فمن المؤكد أن هناك حكمة من ذلك .. وظللت أفكر ماذا في تربية البنات من صعوبة .. فهم مطيعون .. هادئون إلى حد كبير .. ولعل أحد أهم الأسباب التي نعرفها هو أن فتاة اليوم هى أم المستقبل .. هى المسئولة عن تربية الجيل الجديد.
لكني لازلت على يقين أن هناك أسباب أخرى .. لم أعرف إلا عندما واجهت بعض الظواهر بمجتمعنا في معترك الحياة .. سألقي الضوء على بعض المشاهد في بنات اليوم .. لنعرف أين نحن ؟ لنصلح من أحوالنا ونتقي الله في أنفسنا وفي من سنقوم على تربيتهم.

كنت لفترة طويلة من عمري مبتعدة عن الاحتكاك بالعديد من من حولي .. أتعامل ولكن لا أدخل إلى الأعماق .. لا أدخل كثيرًا فيما يحدث بين البنات بعضهن البعض .. اتحاشا ثرثرتهم .. لم أكن انعزالية ولكن آثرت العلم في تلك الفترة من عمري .. كانت أهدافي تأخذ كل تركيزي .. وباعتبار ان نوع دراستي لم يتطلب الانخراط الكثير .. بل على العكس .. فإن دراسة اللغات تحتاج إلى أن تجلس لفترات طويلة في التركيز على تحصيل اللغات أو زيادة الثقافة العامة بشكل عام لتصبح مترجمًا ناجحًا، حتى بالرغم من نزولي إلى سوق العمل مبكرًا .. فإن عملي كمرشدة أو كمترجمة لم يتح لي تلك الفرصة .. طوال الوقت كنت مشغولة .. إلى أن جاءت الفرصة بعدما تخرجت .. تغير مجال عملي بعض الشيء وأصبح أمامي متسع من الوقت لمشاهدة هذا العالم الذي طالما سمعت عنه وعن ما يحدث فيه ولم أحتك به الا ما ندر .. لن أخفي عنكم سرًا رأيت ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .. ولكنها ليست الجنة .. فتلك تبتسم في وجهها إلى أن تلتفت الأخرى وتقول عنها ما لا يرضي أحد .. رأيت كم من السطحية لا أستطيع أن أوصفه .. والمدهش أن تلك السطحية في التفكير تقترن بشهادة جامعية .. وقدر ليس بقليل من الثقافة .. بل منهم من هن مسئولات عن نشر فكر لعامة الناس، حتى في حياتهم الشخصية مسطحون .. وصل الأمر إلى السطحية في اختيار شريك الحياة .. أصبح الزواج بالنسبة للعديد منهمن لُعبة .. استخفاف بالمشاعر والأحاسيس .. استخفاف بمسئولية الزواج في حد ذاتها، والمطلوب بعد ذلك أن نطلب من تلك الفتاة أن تصبح زوجة مثالية وأمًا فاضلة !!!

ليس من عادتي أن أصور أى موضوع مطروح للنقاش بصورة سوداوية ... ولكنها الحقيقة، لا أعمم ولكن أتحدث عن ظواهر في الغالبية العظمى.

تأملت من أين جاءت المشكلة .. وتوصلت إلى أن السبب في توجيه الفتاة منذ الصغر .. توجيه أسرتها فهى المسئول الأول والأخير عن التربية في وقتنا هذا .. أقول هذا مع كل أسفي .. فمن المفترض أن يقوم الاعلام وتقوم المدرسة بدورها .. ولكن غابوا كما غابت الأسرة .. انشغل الأب والأم بلقمة العيش وتركوا عبء التربية على المدرسة .. والمدرسة انشغل مدرسوها بالدروس الخصوصية .. أما إعلامنا فحدث ولا حرج .. أفلام ومسلسلات تزيد من سطحية عقل المرأة والتركيز على أنها المطمع والفريسة وحسب والتدقيق على مظهرها الخارجي .. بالإضافة إلى برامج أحدث الصيحات والموضه والجمال وما إلى ذلك ........
سطحية سطحية سطحية إلى أن ساءت الأحوال بدرجة لا تُحتمل .. والآن ليس علينا إلى أن نصلح من أنفسنا قدر المستطاع ونولي اهتمامنا بعقولنا التي سيحاسبنا الله عليها .. نعرف ماذا نريد وأين نحن ذاهبون لنعرف طريقنا ومن ثم نعرف كيف نختار أب لبناتنا وكيف نربيهن.

                                                                                                                                  ســــارة الشـــــاذلي